اشترك في: 19 يونيو 2006
رقم العضـو : 47
مشاركات: 19
المكان: أستراليا
ارسل:
الاحد نوفمبر 05, 2006 9:44 pm
مسألة انتماء
يتجه الى قلم الاقتراع في حيه في إحدى ضواحي سدني وبريق فرح طفولي يشع في عينيه. خطواته رشيقة مرحة حتى لا تكاد تطأ الارض . . . يشد على يد زوجته مستحثا همتها وهي بدورها تجهد للحاق بخطواته المتسارعة التي تستعجل الوصول الى مبتغاها
اليوم, ولأول مرة على مدى عمره الذي قارب نهاية العقد الرابع , يمارس هذا الحق . اليوم هو واحد كبقية خلق الله لا يقل عنهم بشي. . . فيما مضى كان يحس بالاختلاف, بل الدونية, عندما كان يتجه رفاقه في العمل وجيرانه في الحي الى صناديق الاقتراع ليدلوا باصواتهم وينتخبوا ممثليهم في البرلمان . كان "يحس طعم زيت القطن في حلقه" عشية كل عيد استقلال وهو يرى المدينة تلبس حلتها القشيبة وهو مستشنى من حق المشاركة في هذه المشاعر. لماذا لا يحق له المشاركة في هذا التقليد وهو لا يعرف في حياته وطنا الا هذه المدينة ؟ ! . . . لماذا صنفوه غير شكل؟ ! . . . هو في اعماقه لا يرى اختلافا بينه وبين زملائه, لا لونا ولا جنسا ولا لغة , حتى لكنته تلونت بلون هذه المدينة التي ابصر النور فيها . . . إلا انهم مرة كل اربع سنوات , وعشية كل عيد استقلال ينحوه جانبا
لقد تقاسم وابناء الحي نفس المدرسة وخضع مثلهم لكل انواع غسل الدماغ الذي يمارسه اعلام البلد ومثقفيه على ابنائه . قرأ وعادل وسميرة واحمد وسوزان واندريه نفس كتب التاريخ والادب والجفرافيا , وتتلمذ واياهم على نفس الجريدة والمجله , ولكنهم في يوم الانتخاب ينحونه جانبا . . . كان بوده ان يعرف كيف يشعر اصدقاؤه وزملاؤه وهم يتجهون الى صناديق الاقتراع , وكثيرا ما طرح هذا السؤال عليهم فلم تشف غليله اجابة واضحة . بمرور الزمن تعلم ان لا اهمية تذكر لهذا الموضوع في نظرهم فهو حق مكتسب لا يعرف قيمته إلا من حرمه
صحا من افكاره على صوت الموظفة المسؤولة تساله بلطف عن اسمه وعنوانه. هجأ اسمه ـ الغريب على مسمعهاـ ليسهل عليها عملها. اهتدت الى الاسم , ناولته قسيمه الاقتراع مرفقة بابتسامة هادئة.
يا الله ! ! . . . حتى انها لم تستنطق هويته . لم تطلب اوراقا ثبوتية . ما هذه الانسانية ! ! . . . ما هذه النعمة ! !. . . وينك يمه شوفيني! ! . . .
اخذ ورقة الاقتراع , انتحى إحدى الزوايا المخصصه لملء القسيمه . كان قد هيأ نفسه لهذه اللحظه المباركة . قرأ بإمعان الطريقة الصحيحة للاقتراع. لا . . . لن يقع بالخطأ, لن يسمح لصوته ان يهدر. سيكون له دور في صنع القرار لاول مره في حياته . يعرف كل التفاصيل حتى غير اللازم منها . لم يكتف بالارشادات التي املتها الصحف والاذاعات توضيحا للموضوع بل طلب كتيبا من الدوائر المختصة وقرأه بتمهل وتلذذ وشغف كمثل ما كان يفعل مع القصص البوليسية ايام المراهقة الاولى
وتراءى له صديقه عادل
ـ يا اخي لماذا انت حزين؟ ! . . . انت تنتخب بواسطتنا , انت تفند المرشحين وتظهر سلبيات وايجابيات كل واحد منهم. انا والله كنت محتاراً بين بريّ والحسيني ورأيك نوّرني. صدقني يا أخي نحن ننتخب عنك . . .
ـ كلام من باب المؤاساه ليس إلآ. . .
ووقف امام القسيمة. منذ إعلان يوم الانتخاب كان قد قر رأيه. سينتخب العمال, فهو بطبعه يميل الى اليسار, يهوى العدالة الاجتماعية وتعجبه التعددية الثقافية التي ينادون بها. . . الفريق الاخر يطرح البرنامج الاجتماعي ذاته ويعد بالابقاء على الضمان الصحي medicare . إذا ما الفرق بين العمال والاحرار في هذا البلد ؟ ! . . .
نكاية بكل الاحزاب الاشتراكية التي حكمت بلاده لن ينتخب العمال. اولئك الذين ادعوا الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية ماذا فعلوا بنا ؟ . . . ماذا فعلوا بليبيا . . . بالعراق . . . باليمن. . . بمصر. . .بسوريا بلبنان, بماذا كانوا افضل من غيرهم, بماذا اختلفوا عن الملك في السعودية او الاردن او المغرب, او حتى عن الشاه في ايام عزه ؟ ! . . . نكاية بكل هؤلاء المنافقين لن انتخب العمال . . .اذا انتخب الاحرار . . . يعني المحافظين . . . يعني الذين يستلهمون السياسة الانكليزية ومن ورائها الامريكية . . . يعني السياسة المسؤولة عن كل المآسي التي المت بي وبشعبي , المسؤولة عن رحيلي الى اقاصي المعمورة . . . السياسة التي افرخت وعد بلفور ومن بعدة 15 أيار وكل هذا التشتت والاضطهاد والابعاد والتهجير القسري والهجرة شبه الاإرادية
سانتخب من المستقلين . . . ووقف طويلا امام لوائحهم جميعا , قرأ اسماءهم واحدا واحدا , لم يعن له احدهم شيئا . قرأ عبارات مرفقة مع كل رسم تروج للمرشح وتدعو له فما اثارت تعليقاتهم حماسا في دمه ولا استطاعت ان تحرك اصابعه لتملآ قسيمة الاقتراع
اشترك في: 25 يونيو 2006
رقم العضـو : 58
مشاركات: 355
المكان: مصر العربيه
ارسل:
الاثنين نوفمبر 06, 2006 5:21 am
ياللأسى وصدق لحظات الإنكسار، هذا هو إذن جحيم الانتماء، أقصد جحيم اللانتماء، جحيم أوطاننا التي ضيّعها الاستبداد، وأوطانهم التي لا نقدر على تحمل كلفة الانتماء إليها..
يتحدث إدوارد سعيد عن الفرق بين مفهومين في الانتماء، واحدهما هو الأصل ومن بين معانيه العودة إلى الماضي، وثانيهما هو البداية ومن بينهما صناعة الانتماء على قاعدة الانطلاق من نقطة للوصول إلى نقطة، أي صناعة الانتماء خارج دائرة المكان والزمان
أليس قدر كل عربي اليوم أن يصنع انتماءه خارج الزمان والمكان، أيا كان حضوره الجسدي داخل أو خارج سياقهما؟
ألم تسرق منا أوطاننا وانتماءاتنا؟
ألم تضعنا نظمنا المستبدة الحاكمة خارج إطار الزمان والمكان الإنسانيين؟
أعاد بطل مسألة بل مأساة الانتماء حساب هويتها، وتلمس جذرها الحقيقي، إنها ليست في أي مكان خارجنا، نحمل مسألتها وحسابها معنا ولو سافرنا إلى أقاصي الأرض، إنها ليست في أي بقعة أخرى سوانا وسوى أوطاننا الجريحة..حيث البداية الحقيقية والوحيدة الممكنة كما قال المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد
الكاتبة نجمة حبيب
تحية لقلم سردك في قدرته على وضع أعقد ارتباطاتنا بالعالم في أفضل صورها المسرودة صدقا وبساطة تعبيريين
اشترك في: 19 يونيو 2006
رقم العضـو : 47
مشاركات: 19
المكان: أستراليا
ارسل:
الاثنين فبراير 19, 2007 9:58 am
لقد شفى نفسي وابرأ سقمها هذا الرد الراقي الذي قال ما في الصدر من حرقة وأسى
كم أنا محظوظة بهذه القراءة العميقة التي رصدت بذكاء ما وراء الحادثة البسيطة.
كم أنا محظوظة بقارئ عميق مثلك يقوي عزيمتي ويعزيني في زمن عزت فيه القراءات المعمقة.
آسفة لتأخري بالرد فقد كنت خارج مكان اقامتي(منفاي الاسترالي)ولم يكن متوفرا لدي دخول المنتدى
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق لاتستطيع وضع مواضيع جديدة في هذا المنتدى لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى لا تستطيع تعديل مواضيعك في هذا المنتدى لاتستطيع الغاء مواضيعك في هذا المنتدى لاتستطيع التصويت في هذا المنتدى