كان شتاء العام 1980 ، الدنيا ظلام والساعة تجاوزت الثالثة والنصف صباحا ، وأنا أقف في ساحة كراج الصالحية للنقليات (كراج علاوي الحلة) .. (طبعا لأن الوصول لعملي في ناحية جلعة شخيّر التابعة لمحافظة الديوانية كان يحتاج حوالي الأربعة ساعات ).
حين تلوح الكوستر (السيارة المستخدمة للسفر) كنت أتسابق مع الجنود الصغار ونتدافع للحصول على مقعد ليصل كل منا لدوامه في الوقت المناسب.
شتاء الوطن رغم قصره إلاّ أنه قارس وجاف ، وسيارات الكوستر المنهكة والمتآكلة كانت تسرب الهواء البارد بشكل قاس ..فتتجمد يداي وقدماي صدقا من شدة البرد.
المهم المشكلة التي كنت أعاني منها والتي تسبب لي الحرج هي ..ههههه النوم في الطريق ، فالنهوض الباكر وطول الطريق زائد البرد كلها عوامل تشجع على النوم.
حين تكون بصحبتي في السفر أحدى الزميلات ليس هناك من مشكلة لو نمت على كتفها،
لكن .. !!
كان يجلس بجانبي رجل مسن وقور يرتدي دشداشة وعباءة (نحن نسميه من أهل الله )، وخلال الطريق ودون أن أشعر إذا بي أغفو ورأسي يتدلى على كتفه ،صحوت فجأة .. والمسكين يترنح ويحاول أن يسحب كتفه ويتمتم ..أستغفر الله ..أستغفر الله .
يا للحرج .. ضبّطت جلستي وفتحت عينّي أحملق وأحدق بالطريق وأردد..لن انام ..لن أنام،
هه .. وإذا بي أستغرق في النوم مرة أخرى .. وأصحو والرجل يستغفر ويحاول أن يسحب كتفه !!.
نزل الرجل المسكين بعد أن أدرك محطته تاركا لي مقعده لأسند رأسي على زجاجة نافذة السيارة ، أضحك تارة وأعود للنوم بعدها لحين وصولي لمكان عملي.
الحالة هذه ظلت تتكرر وتحرجني لحين أنهاء خدمتي في القرى والأرياف .
كانت أيام جميلة فيها طيب وبساطة.
د هناء القاضي
2-12-2013
|