حينما لاحت فكرة هذا المقال في ذهني للمرة الأولى ظننت أنني أعالج مجرّد ظاهرة جزئية
يتفوق البعض القليل جداً من الناس في تسجيل مستويات عليا من التمتع بها
ومقصودي من تلك الظاهرة أو الحالة
هو "الغباء"
الذي أضحى خطراً على الصحة النفسية والعقلية للمجتمعات المعاصرة،
يفوق في خطورته خطورة أسلحة الدمار الشامل التي تؤرق أعين الساهرين على أمن وسلامة المجتمع الدولي،
ولكني من خلال بحثي ومطالعتي لمقالات ودراسات وكتب ألفت حول الغباء، أو الذكاء،
الذي هو نقيضه وضده، وبضدها -كما قيل- تتميز الأشياء صعقت لما علمته
من ازدياد ظاهرة التمتع بالغباء، حتى أنها ربما صارت ظاهرة عالمية
هبت رياحها على العالم كله مقترنة برياح العولمة، التي تمثل هي الأخرى ظاهرة
من أبرز ظواهر الغباء في عالمنا المعاصر.
وتأكيداً على خطورة هذه الظاهرة وكونها باتت تنتشر في مجتمعاتنا انتشار النار في الهشيم
يقرر أحد الباحثين أن كاتباً غربياً كتب كتاباً شهيراً في عام 1934م
بعنوان:
"مقدمة قصيرة لتاريخ الغباء الإنساني"
قدّر فيه عدد الأغبياء بنسبة 80% من سكان العالم، ونحن في الوقت الذي نتمنى أن نجد
لنا موقعاً في النسبة المتبقية من سكان الكرة الأرضية من غير الأغبياء
فإننا نسأل العلي القدير أن يتمم علينا بخير، وأن لا يسلبنا عقولنا التي أنعم بها علينا.
ويذهب الأستاذ جميل مطر في مقال له عن الغباء نشره في "الهلال" المصرية، عدد يوليو 2003،
إلى التحذير من الخطورة التي يكتنفها الدور الذي يمارسه الأغبياء في المجتمعات البشرية
وهو الأمر الذي يؤكده "هديل غنيم" في مقال له في "الهلال" أيضاً، عدد سبتمبر 2003
تعقيباً على مقال جميل مطر، متحدثاً عن نظريات الدكتور
دانييل جولمان
التي أحدثت ثورة في النظرة التقليدية لأهمية الذكاء العاطفي
(وقد استفاد جولمان من المفاهيم والدراسات التي شاعت في الثمانينات حول "الذكاء المتعدد" و"الذكاء الاجتماعي" حتى تمّ صك تعبير "الذكاء العاطفي" عام 1990 على يد سالوفين وماير.
ويؤكد جولمان أن أمراضاً وشروراً كثيرة نعاني منها في المجتمع تكمن جذورها
في "الغباء العاطفي".
فهو الذي يؤدي إلى التصرفات التي تتسم بالأنانية والعنف وعدم التقدير للآخرين.
وبالتالي فإن له آثاراً تدميرية على المجتمع.
ويعتقد جولمان أن المجتمع سيتحسن كثيراً إذا تعلمنا ضبط عواطفنا وانفعالاتنا لنزاوج بين التفكير والإحساس).
ولكن هذه الخطورة التي يعمل الكثير من الباحثين الأذكياء على الكشف عنها والتحذير منها
مازالت تواجه بآذان صماء من قبل الأكثرية العمياء والغبية من بني البشر
والتي تمعن - رغم غبائها - في ابتكار وابتداع ممارسات عملية وحياتية تزيد من معدلات الغباء
عند الأفراد والجماعات، والأمم والحكومات على حدّ سواء، فالتدخين الذي يزداد كظاهرة اجتماعية سيئة هو أحد أهم أسباب ازدياد معدلات الغباء.
ففي مقال قصير نشر في "جريدة البيان" الإماراتية، عدد 26 أبريل 2000
بعنوان:
"التدخين يعيق التفكير والتلوث يسبب الغباء"
يكشف المقال عن التالي:
(قال علماء بريطانيون في نتائج دراستين منفصلتين إن التدخين بعد عمر الخامسة والستين
يعيق التفكير وان تزايد تلوث الهواء يؤدي إلى الغباء.
وأثبتت الدراسة الأولى التي شملت ستمائة وخمسين شخصا فوق سن الخامسة والستين
من المدخنين ومتعاطي الكحول في شمال لندن إن التدخين المتواصل في أواخر العمر
يزيد من مخاطر الإعاقة الفكرية وانه لا يحمي المرء من مرض الزهايمر والخرف
كما تقول أبحاث سابقة.
ووفقا للدراسة التي نشر راديو لندن نتائجها على موقعه الالكتروني فان الباحثين
وجدوا أن واحدا بين كل ستة عشر ممن شملتهم الدراسة تعرض لتراجع عقلي كبير
بعد أن تم اخذ العوامل المؤثرة على وظيفة الدماغ كالكآبة والإدمان على الكحول بعين الاعتبار.
يذكر أن التدخين يسبب الإصابة بأمراض الأوعية الدموية وتصلب الشرايين
وهي حالات تعيق وصول الدم إلى كافة أجزاء الجسم بما في ذلك الدماغ.
أما الدراسة الثانية فقد خلص منها خبير بريطاني إلى أن مستوى ذكاء ملايين الأشخاص
يتعرض للأذى نتيجة التلوث وبعض المخاطر البيئية الأخرى نتيجة مواد سامة
موجودة في الهواء كالرصاص وبعض المواد المستخدمة في التجهيزات الكهربائية
إضافة إلى الإشعاعات.
كما أشار الخبير وهو الدكتور
كريس وليامز
الباحث في الشئون الاجتماعية في معهد التربية بجامعة لندن إلى مشكلة تراجع كمية
المكونات المعدنية الغذائية في التربة نتيجة تعرضها للتعرية
وهو الأمر الذي يرى انه يجعل المحاصيل الزراعية تفتقر إلى هذه المكونات
كالحديد واليود.
ويشير كذلك إلى أن قلة الحديد في جسد الطفل ينجم عنها استنشاق أكبر لمادة الرصاص
ويقول انه لاحظ زيادة ملحوظة في عدد الأطفال الذين يولدون حاملين لمرض العته المغولي
أو أعراض داو بعد الانفجار الذي حصل في المفاعل النووي
تشيرنوبيل بأوكرانيا عام 1986.
وما تلاه من هطول أمطار ملوثة بالإشعاعات في الفترة التالية لوقوع الانفجار.
ونقل الدكتور وليامز عن دراسة أنجزتها أكاديمية العلوم الروسية قولها
إن 95% من أطفال إحدى القرى الروسية يعانون من تخلف عقلي نتيجة إشعاعات تسربت
من منجم قريب لليورانيوم. كما وجد أن مليارا وخمسمائة مليون شخص في جنوب شرق آسيا
يعانون من نقص الحديد في العديد من المحاصيل الزراعية وخاصة منها الذرة
وفي الهملايا والصين ازدادت المشكلة حدة بعد أن فسح اندثار الغابات المجال
أمام الأمطار لجرف التربة حاملة معها المواد الأساسية للنظام الغذائي البشري.
وختم بأن انتشار الرصاص في البيئة ووجود معدلات عالية منه في دم طفل
من بين كل عشرة في بريطانيا كفيل بالتأثير سلبا على مستوى ذكائه).
وإذا ما جئنا إلى النظام الغذائي الحديث، والذي بدأ يهيمن من خلال مفهوم
"الوجبات السريعة"
والأغذية المحفوظة التي تزيد من حالات البدانة والسمنة، فقد أكد خبراء كنديون أن البدانة
تسبب الغباء، وفي تقرير موجز نشر على موقع قناة الجزيرة على الشبكة المعلوماتية،
جاء ما نصه:
(البدانة وزيادة الوزن لا تؤثر في صحة الجسم فقط, بل تؤثر في صحة العقل أيضا..
هذا ما اكتشفه الباحثون في جامعة تورنتو الكندية. فبينما ربطت العديد من الدراسات البدانة
بأمراض القلب الوعائية الخطرة ومنها السكتات والنوبات القلبية,
وجد باحثو تورنتو أن الإفراط في الأكل يمكن أن يدمر الصحة العامة للإنسان
سواء بإبطاء تفكيره أو بالتسبب في إصابته بآلام شديدة.
وقال الدكتور
كوستاس تراكاس
الباحث في علوم الدواء بالجامعة, إن للبدانة تأثير يومي في كل مظهر من مظاهر الحياة
وهي تضر بالعقل كما تؤثر في البدن.
واعتمدت الدراسة الكندية التي نشرتها المجلة الدولية للبدانة على أرقام إحصاءات
الصحة الكندية لتحليل مظاهر الحياة الكلية عند الكنديين من عام 1996 وحتى عام 1997
مع الأخذ بعين الاعتبار الجنس والوزن وعادات التدخين ومستوى التعليم والدخل المادي
والعوامل الأخرى المرتبطة بزيادة الوزن.
ولاحظ الباحثون أن الأشخاص المصابين بالبدانة وإفراط الوزن, سجلوا قدرات إدراكية
أبطأ وزيادة في مستويات الألم وحركة محدودة إضافة الى اعتلالات أخرى,
مشيرين إلى أن واحدا من كل سبعة كنديين مصاب بالبدانة التي تؤثر بصورة أكبر في السيدات).
وقد اعتنى علماء النفس والتربية بدراسة الغباء
ولو من خلال دراسة الذكاء، إذ بضدها تتميز الأشياء، أو من باب
كما يقول الدكتور
عبد العزيز داغستاني
في مقال له بعنوان: "الذكاء.. رؤية اقتصادية":
(والبحث في الغباء قد يؤدي إلى الشعور بالإحباط في حين قد يسهم التركيز على الذكاء
في خلق فسحة من التفاؤل والأمل).
ولكنني أرى أن هذه المحاولة تبتعد عن تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية،
وربما يكشف هذا الأمر عن رغبة غبية دفينة في النفوس تمنعها من الشجاعة
في مواجهة الأخطاء، بما فيها الأخطاء التي يكثر الأغبياء من الوقوع فيها.
وقد درس علماء النفس الغباء بوصفه مظهرا من مظاهر التخلف العقلي،
أو الضعف العقلي، وعرف الدكتور
إسماعيل عبد الفتاح في كتابه:
"الذكاء وتنميته لدى أطفالنا" ص 197-198 التخلف أو الضعف العقلي بالقول:
(التخلف أو الضعف العقلي هو عكس التقدم العقلي (أي الذكاء بمعناه العام)،
أي أنه صورة من صور النمو العقلي أيّاً كان هذا النمو ضعيفاً أو متدنياً).
وأضاف قائلاً:
(الفرد الضعيف عقلياً Mental Deficiency هو الفرد الذي هبط ذكاؤه إلى ما دون المتوسط
، بحيث أصبح عاجزاً عن الفهم والملاحظة بسرعة مقبولة، كما أنه عاجز عن التعليم
أو عن تدبير شؤونه الخاصة بنفسه، وهذا الضعف العقلي درجات متداخلة فيما بينها،
ففيه الفرد الغبي والأبله والمعتوه، وهذا الأخير قد لا يستطيع أن يتعلم كيف يغسل يديه
أو أن يلبس ثيابه، كما أن لغته رغم بلوغه الثلاثين أو الأربعين لا تزيد عن لغة طفل
في الثالثة أو الرابعة).
ويشير المصدر المذكور نفسه إلى (أن التخلف العقلي ثلاث درجات أو مستويات هي:
1- تخلف عقلي درجة أولى : ويسمى (العته) ويتراوح مستواه الذهني بين 50، 70 بمقياس T.M.
2- تخلف عقلي درجة ثانية : (ويسمى بالأحمق) ويتراوح مستواه الذهني بين 35، 50 بمقياس T.M.
3- تخلف عقلي درجة ثالثة : (ويسمى المخبول) ومستواه الذهني يكون أقل من 20 بمقياس T.M).
وفي ظل ازدياد وتفاقم مستويات الغباء، وما يمثله ذلك من أخطار كبيرة على الاجتماع البشري
في شتى النواحي والمجالات، يجدر بنا التوقف طويلاً أمام هذه الظاهرة،
والتي رأينا الباحثين يحذرون من تداعياتها على المجتمع والأخلاق والتربية والمعرفة،
فالغباء هو الذي يؤدي إلى التصرفات التي تتسم بالأنانية والعنف وعدم التقدير للآخرين،
كما قرأنا من قبل.
ولأجل ذلك فقد ارتأيت أن أدرس تداعيات الغباء الذي تتكاثر وتنشط خلاياه في أذهان
الأغبياء والبلهاء ضمن مجال محدد، يتصل -
كما أشرت ومن خلال ما يتضح من عنوان المقالة
-
بكيفية مساهمة الأغبياء في صناعة رمزيات الأشقياء من بني البشر،
في كل عصر ودهر، ولكن قبل الحديث عن صناعة الأغبياء لرمزيات الأشقياء
ومحاولتنا الإفصاح عن الدور الخطير الذي يقومون به في هذا المجال،
نودّ التعرف أولاً على ماهية "العضو الغبي"، وهو العضو الذي يسهم أساسياً
في إنتاج هذه الرمزيات،
ويمكّنها من الصعود إلى أعلى المستويات عبر ما يتمتع به من غباء،
ولأجل ذلك اعتبرنا الحراك الذي يقوم به الأغبياء في الاجتماع البشري
بمثابة "برمجيات" تنتج وتتكاثر وتبرز من خلالها الأنساق المهيمنة في هذا الاجتماع.
ولأجل ذلك بالذات يعنينا أولاً أن نفصح عن المكونات الذاتية للعضو الغبي،
قبل الفحص عن الدور الذي يصدر منه في إنتاج وتسويق الأنساق المهيمنة،
وصناعة وترويج الرمزيات الشقية، والتي لا تتمتع بأيّ مؤهل يؤهلها
لتسنم الأدوار القيادية والخطيرة في المجتمع.
اشترك في: 06 يونيو 2006
رقم العضـو : 8
مشاركات: 13132
المكان: المملكة المتحدة
ارسل:
السبت اغسطس 11, 2007 7:19 pm
قدّر فيه عدد الأغبياء بنسبة 80% من سكان العالم، ونحن في الوقت الذي نتمنى أن نجد
لنا موقعاً في النسبة المتبقية من سكان الكرة الأرضية من غير الأغبياء
فإننا نسأل العلي القدير أن يتمم علينا بخير، وأن لا يسلبنا عقولنا التي أنعم بها علينا.
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق لاتستطيع وضع مواضيع جديدة في هذا المنتدى لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى لا تستطيع تعديل مواضيعك في هذا المنتدى لاتستطيع الغاء مواضيعك في هذا المنتدى لاتستطيع التصويت في هذا المنتدى